بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرحبا بكم في كن داعيا الى الله اينما حللت

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم



اما بعد



حياكم الله وبياكم وجعل الجنه مثوانا ومثواكم حياكم الله في مدونتي المتواضع التي اسال الله العلي العظيم ان يجعلها خالصه لوجهه الكريم وينفع بها الاسلام والمسلمين







السبت، يناير 15، 2011

كتاب اترك أثرًا قبل الرحيل

اترك أثرًا قبل الرحيل ٥
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
تلك التي ، فإن من أعظم الأعمال أجرًا، وأكثرها مرضاة لله
يتعدى نفعها إلى الآخرين، وذلك لأن نفعها وأجرها وثواﺑﻬا لا
يقتصر على العامل وحده، بل يمتد إلى غيره من الناس، حتى
الحيوان، فيكون النفع عامًا للجميع.
ومن أعظم الأعمال الصالحة نفعًا، تلك التي يأتيك أجرها وأنت
في قبرك وحيدًا فريدًا، ولذا يجدر بالمسلم أن يسعى جاهدًا لترك أثر
قبل رحيله من هذه الدنيا ينتفع به الناس من بعده، وينتفع به هو في
وَمَا تَُقدِّمُوا لَِأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْ ٍ ر  : قبره وآخرته، وصدق الله في قوله
.[ المزمل: ٢٠ ]  تَ ِ جدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وََأعْ َ ظمَ َأجْرًا
وكن رج ً لا إن أتوا بعده
يقولون مر وهذا الأثر
وقد حرصت على تناول جوانب من هذا الموضوع الهام،
وأسأل الله التوفيق والسداد.
محمد صالح المنجد
٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
الفرق بين النفع المتعدي والنفع القاصر
النفع المتعدي: هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين سواءً كان
هذا النفع أخرويًا : كالتعليم والدعوة إلى الله تعالى، أو دنيويًا :
كقضاء الحوائج، ونصرة المظلوم وغير ذلك.
أما النفع القاصر: فهو العمل الذي يقتصر نفعه وثوابه على
فاعله فقط، كالصوم، والاعتكاف وغيرهما.
أيهما أفضل النفع المتعدي أم النفع القاصر؟
نص فقهاء الشريعة على أن النفع المتعدي للغير أولى من النفع
القاصر على النفس.
ولذا قال بعضهم: إن أفضل العبادات أكثرها نفعًا، وذلك
لكثرة ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص دالة على فضل
الاشتغال بمصالح الناس، والسعي الحثيث لنفعهم وقضاء حوائجهم،
ومن أبرزها ما يلي:
فضل العالم على »  قال : قال رسول الله  عن أبي الدرداء
.(١) « العابد كفضل القمر على سائر الكواكب
لئن يهدي الله بك رج ً لا » :  لعلي بن أبي طالب  وقال
.(٢)« واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم
.( ١) رواه أبو داود ( ٣٦٤١ ) وهو صحيح الجامع ( ٤٢١٢ )
.( ٢) رواه مسلم ( ٣٤ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٧
من دعا إلى هدي » : قال  عن رسول الله  عن أبي هريرة
كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم
.(١)« شيئًا
كما أن صاحب العباد القاصرة على النفس إذا مات انقطع
عمله، أما صاحب النفع المتعدي فلا ينقطع عمله بموته.
وقد بعث الله الأنبياء بالإحسان إلى الخلق، وهدايتهم ونفعهم
في معاشهم ومعادهم، ولم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس،
على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد  ولهذا أنكر النبي
.( وترك مخالطة الناس ( ٢
وهذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس، ولا يعني ذلك أن كل
عمل متعدي النفع أفضل من كل عمل قاصر، بل الصلاة والصيام
والحج عبادات قاصرة – في الأصل – ومع ذلك هي من أركان
الإسلام ومبانيه العظام.
ولذا قال بعض العلماء : (أفضل العبادات: العمل على مرضات
.( الرب في كل وقت مما هو مقتضي ذلك الوقت ووظيفته)( ٣
نفع الناس من صفات الأنبياء والرسل:
إن النفع المتعدي هو طريق الأنبياء والرسل، ووظيفة من سلك
سبيلهم، واقتفى أثرهم، فهم أنفع الناس للناس، وهم الذين يهدون
.( ١) رواه مسلم ( ٢٦٧٤ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٤٧٧٦ )، ومسلم ( ٥ )
.(٨٧-٨٥/ ٣) انظر مدارج السالكين ( ١ )
٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
الناس إلى الله تعالى، ويخرجوﻧﻬم من الظلمات إلى النور بإذنه، وذلك
بدعوﺗﻬم إلى توحيده، الذي لا عز ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا
به.
ونفع الأنبياء للناس لا يشمل أمور الآخرة فقط، بل كذلك
قَا َ ل اجْعَْلِني  : تولى الخزائن لعزيز مصر  أمور الدنيا: فيوسف
يوسف: ٥٥ ]، فكان في ]  عََلى خَزَائِ ِ ن الَْأرْ ِ ض ِإنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
ذلك الخير والنفع والنجاة من سنوات القحط والجذب التي أصابت
البلاد.
لما ورد ماء مدين وجد عليه جماعة من الناس  وموسى
يسقون، ووجد من دوﻧﻬم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن
البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.
:  كانت خديجة رضي الله عنها تقول في وصفه  -ونبينا
(كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل
.( وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)( ١
وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون:
كان يصل الرحم ويساعد المحتاجين،  -فأبو بكر الصديق
ولذلك لما أراد قومه أن يخرجوه قال له ابن الدغنة المشرك : (إن
مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم
.( وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)( ٢
.( ١) رواه البخاري ( ٣ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٢١٧٥ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٩
كان يتعاهد الأرامل، ويسقي لهن الماء  -وعمر بن الخطاب
لي ً لا.
-وعلى بن الحسين رحمه الله كان يحمل الخبز إلى بيوت
المساكين في ظلام الليل، فلما مات فقدوا ذلك، قال ابن إسحاق :
كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم فلما
.( مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم في الليل ( ١
وهكذا الصالحون من هذه الأمة إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق،
فرحوا ﺑﻬا فرحًا شديدًا، وعدوا ذلك من أفضل أيامهم!.
-كان سفيان الثوري رحمه الله ينشرح إذا رأى سائ ً لا على
بابه! ويقول: (مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي).
- وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: (نعم السائلون،
يحملون أزوادنا إلى الآخرة، بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان).
عظم أجر النفع المتعدي من الكتاب والسنة:
وَالْعَصِْ ر * ِإنَّ اْلِإنْسَا َ ن َلفِي خُسْ ٍ ر * ِإلَّا الَّذِينَ  : ١- قال تعالى
 آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا ِبالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا ِبالصَّبْ ِ ر
.(٣- [العصر: ١
قال السعدي رحمه الله: أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل
والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، إلا من
اتصف بأربع صفات:
.(٣٩٣/ ١) سير أعلام النبلاء ( ٤ )
١٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
- الإيمان بما أمر الله تعالى بالإيمان به.
-العمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة
والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.
- التواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي :
يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
- التواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى
أقدار الله المؤلمة. فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين
الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد
.( سلم من الخسارة، وفاز بالربح العظيم ( ١
إذا فنجاة الإنسان من الخسران موقوفة على سعيه في نفع
الآخرين ونصحهم وتوصيتهم بالحق والصبر.
أن خير الناس أنفعهم للناس عن جابر بن  ٢- أخبر النبي
:  عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير »
.(٢)« الناس أنفعهم للناس
وقال المناوي رحمه الله : (خير الناس أنفعهم للناس) بالإحسان
إليهم بماله وجاهه فإﻧﻬم عباد الله، وأحبهم إليه أنفعهم للناس أي :
أكثرهم نفعًا للناس بنعمة يسديها، أو نقمة يدفعها عنهم دينًا أو
.( ١) تيسير الكريم الرحمن ( ٩٣٤ )
٢) رواه الطبراني في الأوسط ( ٥٩٤٩ )، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة )
..(٤٢٦)
اترك أثرًا قبل الرحيل ١١
دنيا، ومنافع الدين أشرف قدرًا وأبقى نفعًا( ١)، قال ابن القيم رحمه
الله : (وقد دل العقل والنفع والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف
أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين، والبر
والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن
أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم
.( الله، واستدفعت نقمه، بمصل طاعته والإحسان إلى خلقه)( ٢
أحب » : قال  ٣- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي
الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله
على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد
عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلى من أن
أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرًا، ومن كف
غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه
أمضاه، ملأ الله عز وجل قلبه أمنا يوم القيامة، ومن مشى مع
أخيه في حاجة حتى أثبتها له، أثبت الله عز وجل قدمه على
.(٣) « الصراط يوم تزل فيه الأقدام
ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب غلى من » :  قوله
لأن ،« أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرًا
الاعتكاف نفعه قاصر على العبد، أما المشي في حاجة الناس فنفعه
.(٤٨١/ ١) أنظر فيض القدير ( ٣ )
.( ٢) الجواب الكافي ( ٩ )
٣) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ( ٣٦ )، وحسنه الألباني في الترغيب )
.(٢٦٢٣)
١٢ اترك أثرًا قبل الرحيل
متعدٍ للغير، وهو أنفع للعباد قطعا.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز للمعتكف
الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج المسلمين؟
قال : نعم يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء بعض
حوائج المسلمين، إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه
ن لأنه لم يخرج من المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج
لذلك، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنيًا ﺑﻬا فلا
يعتكف، لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف، لأن نفعها
متعد، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، إلا إذا كان النفع
.( القاصر من مهمات الإسلام وواجباته ( ١
 ٤- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال النبي
لا يغرس المسلم غرسًا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا » :
.(٢)« كان له صدقة إلى يوم القيامة
ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه » وفي لفظ له
له صدقة، وما سرق منه له صدقه، وما أكل السبع منه فهو له
صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان
.(٣)« له صدقه
أن رجلا مر به وهو يغرس غرسًا بدمشق،  عن أبي الدرداء
.(١٢٦/ ١) مجموع فتاوي ابن عثيمين ( ٢٠ )
.( ٢) رواه مسلم ( ١٥٥٣ )
.( ٣) رواه مسلم ( ١٥٥٢ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ١٣
فقال : لا ! ؟ فقال له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله
من غرس غرسًا لم » : يقول  تعجل على، سمعت رسول الله
يأكل منه آدمي ولا خلق من خلق الله عز وجل إلا كان له
.(١)« صدقة
قال النووي رحمه الله: (في هذه الأحاديث فضيلة الغرس،
وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغرس والزرع،
وما تولد منه إلى يوم القيامة. وفي هذه الأحاديث أيضا أن الإنسان
يثاب على ما سرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر ونحوهما. وقوله
.( أي ينقصه ويأخذ منه)( ٢ « ولا يرزؤه » : 
ولذلك ذهب بعض العلماء (وصححه النووي رحمه الله ) إلى
تفضيل العمل بالزراعة على العمل بالصناعة والتجارة وذلك لعموم
نفع الزراعة، حتى أﻧﻬا تشمل نفع الناس والدواب والطيور
.( والحشرات ( ٣
٥- كل معروف يبذله الإنسان للناس فهو صدقة:
كل » : قال  عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي
.(٤)« معروف صدقة
على كل نفس في » :  قال : قال رسول الله  عن أبي ذر
.( ١) رواه أ؛مد ( ٢٧٥٤٦ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٢٦٠٠ )
.(٣٩٦/ ٢) شرح النووي على مسلم ( ٥ )
.(٣٩٦/ ٣) شرح النووي على مسلم ( ٥ )
.( ٤) رواه البخاري ( ٥٦٧٥ )
١٤ اترك أثرًا قبل الرحيل
كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه، قلت : ي ا
رسول الله من أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: إن من أبواب
الصدقة التكبير وسبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله وأستغفر
الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوكة عن طريق
الناس والعظم والحجر، وﺗﻬدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم
حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكاﻧﻬا،وتسعى
بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع
الضعيف كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في
جماعك زوجتك أجر، قال أبو ذر : كيف يكون لي أجر في
أرأيت لو كان لك ولد فأدرك :  شهوتي؟ فقال رسول الله
ورجوت خيره فمات أكنت تحسب به؟ قلت : نعم. قال : فأنت
خلقته؟ قال : بل الله خلقه، قال فأنت هديته ؟ قال : بل الله
هداه، قال: أنت ترزقه؟ قال : بل الله كان يرزقه، قال: كذلك
فضعه في حلاله وجنبه حرامه فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته
.(١)« ولك أجر
كل سلامي من » :  قال : قال رسول الله  عن أبي هريرة
الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين
صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها
متاعه صدقه، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوه ا إلى
١) رواه ابن حبان ( ٣٣٧٧ ) وأحمد ( ٢١٥٢٢ )، وصححه الألباني في السلسة )
.( الصحيحة ( ٥٧٥
اترك أثرًا قبل الرحيل ١٥
.(١)« الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة
٦- والسعي فيما ينفع الناس من أسباب دخول الجنة والنجاة
من النار:
أي العمل أفضل؟ قال  قال : سألت النبي  - عن أبي ذر
إيمان بالله وجهاد في سبيله، قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال » :
: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال :
تعين صانعًا أو تصنع لأخرق، قال : فإن لم أفعل ؟ قال : تدع
.(٢)« الناس من الشر فإﻧﻬا صدقة تصدق ﺑﻬا على نفسك
قال : قلت : يا رسول الله ماذا ينجي العبد  - وعن أبي ذر
من النار؟
.« الإيمان بالله » : قال
قلت : يا رسول الله إن مع الإيمان عم ً لا.
الرضخ: هو العطاء]. ] « يرضخ مما رزقه الله » : قال
قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ به؟
« يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر » : قال
قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان عيبًا لا يستطيع أن يأمر
بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟
.( ١) رواه البخاري ( ٢٨٢٧ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٢٣٨٢ )
١٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
وهو الجاهل الذي لا صنعة له ] .« يصنع لأخرق » : قال
يكتسب منها].
قلت : أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئًا؟
.« يعين مظلومًا » : قال
قلت : أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟
ما تريد أن تترك في صاحبك من خير، يمسك الأذى » : قال
.« عن الناس
فقلت : يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة ؟
ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء، إلا أخذت بيده » : قال
.(١)« حتى تدخل الجنة
سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال :  أن النبي  - عن عمر
إدخالك السرور على مؤمن، أشبعت جوعته، أو كسوت عريه، »
.(٢)« أو قضيت له حاجة
من استطاع أن ينفع أخاه المسلم بأي وجه من  وأمر النبي
من استطاع منكم أن ينفع أخاه » : وجوه النفع فلينفعه، فقال
.(٣)« فليفعل
١) رواه الطبراني في الأوسط ( ٥٠٨١ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب )
.( والترهيب ( ٨٧٦
٢) رواه الطبراني في الأوسط ( ٥٠٨١ )، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب )
.( والترهيب ( ٢٦٢١
.( ٣) رواه مسلم ( ٢١٩٩ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ١٧
وأوجه النفع كثيرة جدا، ولكما كان العمل أنفع للعباد كان
أفضل عند الله تعالى، لذلك ينبغي على المؤمن أن يحرص على
الأعمال التي يعم نفعها ويكثر.
نماذج للأعمال المتعدية النفع
الدعوة إلى الله:
إن الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال نفعًا للآخرين، فليس
هناك نفع متعد كالدعوة إلى توحيد الله، وحمل هم الدين وتبليغه،
ولذلك منح الله هذه الوظيفة لأفضل الخلق من بني آدم، وهم
الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وكذلك من سار على
درﺑﻬم.
وَمَنْ َأحْسَنُ َقوًْلا مِمَّنْ دَعَا ِإَلى اللَّهِ وَعَمِ َ ل  : قال تعالى
.[ فصلت: ٣٣ ]  صَالِحًا وَقَا َ ل ِإنَِّني مِنَ الْمُسْلِمِينَ
أي :  وَمَنْ َأحْسَنُ َقوًْلا مِمَّنْ دَعَا  : قال ابن كثير رحمه الله
دعا عباد الله إليه.
أي هو في نفسه :  وَعَمِ َ ل صَالِحًا وََقا َ ل ِإنَِّني مِنَ الْمُسْلِمِينَ 
مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد، وليس هو من
الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتون، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل
يأتمر بالخير، ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى،
.( وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد ( ١
.(١٧٩/ ١) تفسير ابن كثير ( ٧ )
١٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
فأهل الدعوة إلى الله لم يرضوا لأنفسهم أن يروا الغرقى فلا
يقذوهم، ولا فقدوا إنسانيتهم فتركوا الحيارى يحيدون عن الطريق
بلا إرشاد، ولم يدفنوا العلم ولا أوقفوه على أنفسهم، بل ألقوا دثر
الراحة ونفضوا غبار الكسل عن أنفسهم، وانطلقوا في خضهم الحياة
حاملين النور للآخرين، فعلموا الجاهل، ونبهوا الغافل، وهدوا
الضال بإذن الله وتوفيقه.
فأفضل النفع للآخرين إخراجهم من ظلمات الكفر والبدع
والمعاصي إلى نور التوحيد والسنة والطاعة.
َأوَمَنْ كَا َ ن مَيْتًا َفَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا َلهُ نُورًا  : قال الله تعالى
يَمْشِي ِبهِ فِي النَّا ِ س َ كمَنْ مََثلُهُ فِي الظُُّلمَاتِ َليْسَ ِبخَا ِ ر ٍ ج مِنْهَا
.[ الإنعام: ١٢٢ ]  َ ك َ ذلِكَ زُيِّنَ لِلْ َ كافِرِينَ مَا َ كانُوا يَعْمَُلو َ ن
تعليم الناس العلم النافع:
ومن اﻟﻤﺠالات العظيمة للنفع المتعدي تعليم الناس الخير،
وتعريفهم بالحلال والحرام، ولذلك وردت أدلة كثيرة في فضل تعليم
الناس:
من عمل علما فله » : قال  عن النبي  عن معاذ بن أنس
.(١)« أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل
خيركم من تعلم القرآن » : قال  عن النبي  عن عثمان
.( ١) رواه ابن ماجه ( ٢٤٠ ) وحسنة الألباني في الترغيب والترهيب( ٨٠ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ١٩
.(١)« وعلمه
خيركم من تعلم » : قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح
ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل « القرآن وعلمه
لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان
وَمَنْ  : أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى وبقوله
َأحْسَنُ َقوًْلا مِمَّنْ دَعَا ِإَلى اللَّهِ وَعَمِ َ ل صَالِحًا وَقَا َ ل ِإنَِّني مِنَ
فصلت: ٣٣ ]، والدعوة إلى الله تقع بأمور شتى منها ]  الْمُسْلِمِينَ
.( تعليم القرآن وهو أشرفها ( ٢
مثل ما بعثني الله به » : قال  عن النبي  عن أبي موسى
من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها
نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها
أجادب أمسكت الماء، فنفع الله ﺑﻬا الناس فشربوا وسقوا
وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء،
ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله
به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله
.(٣) « الذي أرسلت به
وقد ألهم الله تعالى أنواع الحيوان الاستغفار للعالم:
إن الله » :  قال : قال رسول الله  فعن أبي أمامة الباهلي
.( ١) رواه البخاري ( ٤٧٣٩ )
.(٧٦/ ٢) فتح الباري ( ٩ )
.( ٣) رواه البخاري ( ٧٩ )
٢٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها،
.(١) « وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير
من » : يقول  قال : سمعت رسول الله  وعن أبي الدرداء
سلك طريقًا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن
الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له
من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل
العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء
ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا
.(٢)« العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ واف ٍ ر
لماذا تستغفر الحيوانات للعالم؟
أو ً لا: كرامة من الله تعالى له على تعليمه الناس شريعة الله تعالى.
ثانيا: أن نفع العالم قد تعدي حتى انتفعت به الحيوانات، فإنه
فإذا قتلتم، فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم، » : يأمر بالإحسان إليها
٣). ويبين ما يتعلق ﺑﻬا من أحكام، فألهمها الله )« فأحسنوا الذبحة
الاستغفار للعلماء مجازاة على حسن صنيعهم ﺑﻬا وشفقتهم عليها.
وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر »
.(٤)« الكواكب
.( ١) رواه الترمذي ( ٢٦٨٥ ) وحسنة الألباني في الترغيب ( ٨١ )
.( ٢) رواه الترمذي ( ٢٦٨٢ ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٧٠ )
.( ٣) رواه مسلم ( ١٩٥٥ )
.( ٤) رواه الترمذي ( ٢٦٨٢ ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٧٠ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٢١
قال القاضي رحمه الله : شبه العالم بالقمر والعابد بالكواكب،
لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد، ونور العالم يتعدى
.( إلى غيره ( ١
أيهما أفضل العبادة أم الاشتغال بالعم والتعليم؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : الإنصاف أن يقال كلما زاد
على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين : من
وجد في نفسه قوة على الفهم والتحرير، فتشاغله بذلك أولى من
إعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي، ومن وجد
في نفسه قصورًا فإقباله على العبادة أولى لعسر اجتماع الأمرين، فإن
الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه،
والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فاته الأمران لعدم حصول
.( الأول وإعراضه به عن الثاني والله الموفق ( ٢
قال النووي رحمه الله: يجزي [يعني للمعتكف] أن يقرأ القرآن
ويقرئه غيره، وأن يتعلم العلم ويعلمه غيره، ولا كراهة في ذلك في
حال الاعتكاف. قال الشافعي وأصحابنا: وذلك أفضل من صلاة
النافلة، لأن الاشتغال بالعلم فرض كفاية فهو أفضل من النفل،
ولأنه مصحح للصلاة وغيرها من العبادات، ولأن نفعه متعد إلى
الناس، وقد تظاهرت الأحاديث بتفضيل الاشتغال بالعلم على
الاشتغال بصلاة النافلة.
.(٤٨١/ ١) تحفة الأحوذي ( ٦ )
.(٢٦٧/ ٢) فتح الباري ( ١٣ )
٢٢ اترك أثرًا قبل الرحيل
وكان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يترك صيام النافلة في
بعض الأيام ويقول: لأنه يضعف عن القيام بحوائج الناس.
الجهاد في سبيل الله.
ما يعدل الجهاد في سبيل  قال : قيل للنبي  عن أبي هريرة
قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثًا « لا تستطيعوه » : قال ؟  الله
مثل اﻟﻤﺠاهد في » : وقال في الثالثة « لا تستطيعونه » : كل ذلك يقول
سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة
.(١)« ولا صيام حتى يرجع اﻟﻤﺠاهد إلى أهله
قال : قيل يا رسول الله : أي الناس  عن أبي سعيد الخدري
مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه » :  أفضل ؟ فقال رسول الله
مؤمن في شعب من الشعاب يتقي » : قالوا : ثم من ؟ قال ،« وماله
.(٢)« الله ويدع الناس من شره
وإنما كان اﻟﻤﺠاهد أفضل من المؤمن المعتزل للناس، لأنه بذل
نفسه وماله في سبيل الله، مع ما في جهاده من النفع المتعدي، فإنه
بالجهاد يدخل الناس في دين الله أفواجًا، ويذل الكفر وأهله، وتحمي
حوزة الدين، وتحفظ حرمات المسلمين، وغير ذلك من المصالح
العظيمة التي تحصل بالجهاد.
ولذلك كان من أسباب خيرية هذه الأمة على ما سواها من
الأمم أﻧﻬا أنفع الأمم لغيرها، فإن هذه الأمة تنفع غيرها من الأمم
.( ١) رواه البخاري ( ٢٦٣٥ ) ومسلم ( ١٨٧٨ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٢٦٣٤ ) ومسلم ( ١٨٨٨ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٢٣
بأنفع الأشياء على سبيل الإطلاق، ألا وهو السعي في هدايتها إلى
الإسلام، ثم ما يترتب على ذلك من دخولهم الجنة، ونجاﺗﻬم من
النار.
قال :  ُ كنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْ ِ رجَتْ لِلنَّا ِ س  :  عن أبي هريرة
خير الناس للناس، تأتون ﺑﻬم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا
.( في الإسلام ( ١
وقال ابن حجر رحمه الله: (خير الناس للناس) أي : أنفعهم لهم،
.( وإنما كان ذلك لكوﻧﻬم كانوا سببا في إسلامهم ( ٢
ونقل ابن حجر رحمه الله عن ابن الجوزي رحمه الله قوله : معناه
أﻧﻬم أسرور وقيدوا، فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعًا،
.( فدخلوا الجنة ( ٣
الحراسة في سبيل الله:
ومما يتعدى نفعه الحراسة في سبيل الله : عن ابن عمر رضي الله
ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ » : قال  عنهما أن النبي
.(٤) « حارس حرس في أرض خوف لعلة أن لا يرجع إلى أهله
 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله
عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين » : يقول
.(٤٢٨١/ ١) رواه البخاري ( ٨ )
.(٢٢٥/ ٢) فتح الباري ( ٨ )
.(١٤٥/ ٣) فتح الباري ( ٦ )
٤) رواه الحاكم ( ٢٤٢٤ ) وصححه ووافقه الذهبي. )
٢٤ اترك أثرًا قبل الرحيل
.(١)« باتت تحرس في سبيل الله
أي لا تمس صاحبهما، فعبر بالجزء « عينان لا تمسهما النار »
.( عن الجملة ( ٢
في حراسة المسلمين:  قصة عباد بن بشر
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال : خرجنا
إلى نجد، فغشينا دارًا من دور المشركين، قال :  مع رسول الله
راجعًا،  فأصبنا امرأة رجل منهم، قال: ثم انصرف رسول الله
وجاء صاحبها وكان غائبًا فذكر له مصاﺑﻬا فحلف لا يرجع حتى
دمًا، قال : فلما كان رسول الله  يُهريق في أصحاب رسول الله
من رجلان » : ببعض الطريق نزل في شعب من الشعاب وقال 
قال : فقال رجل من المهاجرين « يكلانا في ليلتنا هذه من عدونا
ورجل من الأنصار نحن نكلؤك يا رسول الله، قال : فخرجا إلى فم
الشعب دون العسكر، ثم قال الأنصاري للمهاجري : أتكفيني أول
الليل وأكفيك آخره أم تكفيني آخره وأكفيك أوله ؟ قال : فقال
المهاجري بل أكفني أوله وأكفيك آخره فنام المهاجري وقام
الأنصاري يصلي، قال : فافتتح سورة من القرآن فبينا هو يقرأ فيها
إذ جاء زوج المرأة، فلما رأى الرجل قائمًا عرف أنه ربيئة القوم -
أي حارسهم ( ٣)- فينتزع له بسهم فيضعه فيه، قال : فينزعه فيضعه
١) رواه الترمذي ( ١٦٣٩ ) وصححه الألباني. )
.(٢٢/ ٢) تحفة الأحوذي ( ٥ )
.(١٥١/ ٣) غريب الحديث لابن قتيبة ( ١ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٢٥
وهو قائم يقرا في السورة التي هو فيها ولم يتحرك كراهية أن
يقطعها، قال : ثم عاد له زوج المرأة بسهم آخر فوضعه فيه فانتزعه
فوضعه وهو قائم يصلي ولم يتحرك كراهية أن يقطعها، قال ثم عاد
له زوج المرأة الثالثة بسهم فوضعه فيه فانتزعه فوضعه ثم ركع
فسجد ثم قال لصاحبه : أقعد فقد أوتيت، قال : فجلس المهاجري
فلما رآهما صاحب المرأة هرب وعرف أنه قد نذر به قال : وإذا
الأنصاري يموج دمًا من رميات صاحب المرأة، قال فقال له أخوه
المهاجري يغفر الله لك ألا كنت آذنتني أول ما رماك ؟ قال، فقال :
كنت في سورة من القرآن قد افتتحتها أصلي ﺑﻬا فكرهت أن أقطعها
بحفظه لقطع  وأيم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني به رسول الله
.( نفسي قبل أن أقطعه ( ١
بناء المساجد:
ِإنَّمَا يَعْمُرُ مَسَا ِ جدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ ِباللَّهِ  : - قال الله تعالى
وَالْيَوِْم الْآَخِ ِ ر وََأقَامَ الصََّلاَة وَآَتَى الزَّ َ كاَة وََلمْ يَخْشَ ِإلَّا اللَّهَ َفعَسَى
.[ التوبة: ١٨ ]  ُأوَلئِكَ َأ ْ ن يَ ُ كونُوا مِنَ اْلمُهْتَدِينَ
من » : يقول  قال سمعت النبي  - عن عثمان بن عفان
.(٢) « بني مسجدًا يبتغي به وجه الله بني الله له مثله في الجنة
إن مما » :  قال : قال رسول الله  - وعن أبي هريرة
يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره،
١) رواه أحمد ( ١٤٤٥١ ) وأبو داود ( ١٩٣ ) وصححه الألباني. )
. ( ٢)رواه البخاري ( ٤٣٩ ) ومسلم ( ٥٣٣ )
٢٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
وولدا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثة، أو مسجدًا بناه، أو بيتا لابن
السبي بناه، أو ﻧﻬرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحة
.(١) « وحياته يلحقه من بعد موته
يتعاون مع أصحابه في بناء المسجد  - وكان رسول الله
في ذكر بناء المسجد قال : كنا نحمل لبنة  النبوي فعن أبي سعيد
فينفض التراب عنه ويقول :  وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي
ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى »
.( أعوذ بالله من الفتن ( ٢ :  قال يقول عمار « النار
النصيحة:
قلنا « الدين النصيحة » : قال  أن النبي  عن تميم الداري
« لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » : : لمن؟ قال
.(٣)
قال ابن حجر رحمه الله : وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل
فيها إﻧﻬا أحد أرباع الدين ( ٤). وقال النووي رحمه الله : هذا حديث
عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام. وأما ما قاله جماعات من العلماء
أنه أحد أرباع الإسلام أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور
الإسلام فليس كما قالوا، بل المدار على هذا وحده... والله أعلم
( ١) رواه ابن ماجة ( ٢٣٨ ) وحسنة الألباني في صحيح الترغيب الترهيب ( ٧٧ )
( ٢) رواه البخاري ( ٤٣٦ )
( ٣) رواه مسلم ( ٥٥ )
(١٣٨/ ٤) فتح الباري ( ١ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٢٧
.(١)
والنصيحة لله: وصفه بما هو أهل له، والخضوع له ظاهرًا
وباطنًا، والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك
معصيته والجهاد في رد العاصين إليه.
والنصيحة لكتاب الله: تعلمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في
التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهم معانية، وحفظ حدوده،
والعمل بما فيه، وذب تحريف المبطلين عنه.
والنصيحة لرسوله : تعظيمه، ونصره حيًا وميتًا، وإحياء سنته
بتعلمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبته ومح بة
أتباعه.
والنصيحة لأئمة المسلمين: إعانتهم على ما حملوا القيام به،
وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم،
ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم
بالتي هي أحسن.
والنصيحة لعامة المسلمين : إرشادهم لمصالحهم في آخرﺗﻬ م
ودنياهم، وكف الأذى عنهم فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم،
ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراﺗﻬم، وسد خلاﺗﻬم، ودفع
المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، وﻧﻬيهم عن
المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة
(٣٧/ ١) شرج النووي على مسلم ( ٢ )
٢٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن
يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من
المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم
بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع
 النصيحة، وتنشيط هممهم إلى الطاعات وقد كان في السلف
من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه.
الإصلاح بين الناس:
َلا خَيْرَ فِي َ كثِ ٍ ير مِنْ نَجْوَاهُمْ ِإلَّا مَنْ َأمَرَ  : قال الله تعالى
ِبصَدََقةٍ َأوْ مَعْرُوفٍ َأوْ ِإصْلَا ٍ ح بَيْنَ النَّا ِ س وَمَنْ يَ ْ فعَ ْ ل َ ذلِكَ ابْتِغَاءَ
. مَرْضَاةِ اللَّهِ َفسَوْفَ نُؤْتِيهِ َأجْرًا عَظِيمًا
قال السعدي رحمه الله أي : لا خير في كثير مما يتناجى به الناس
ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول
الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه.
من مال أو علم أو  مَنْ َأمَرَ ِبصَدََقةٍ  : ثم استثنى تعالى فقال
أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح
إن بكل تسبيحة صدقة، » :  والتحميد ونحوه، كما قال النبي
وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل ﺗﻬليلة صدقة،
وأمر بالمعروف صدقة، وﻧﻬي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم
.(١)« صدقة
.( ١) رواه مسلم ( ٢٣٧٦ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٢٩
وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في  َأوْ مَعْرُوفٍ 
الشرع والعقل حسنه، وإذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن
بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك
المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر. وأما
عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي.
والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين  َأوْ ِإصْلَا ٍ ح بَيْنَ النَّا ِ س 
متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة
ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس
في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى :
[ آل عمران : ١٠٣ ]  وَاعْتَصِمُوا ِبحَبْ ِ ل اللَّهِ جَمِيعًا وََلا تََفرَّقُوا 
وَِإنْ َ طائَِفتَانِ مِنَ الْمُؤْمِِنينَ اقْتَتَلُوا َفَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا  : وقال تعالى
َفِإنْ بَغَتْ ِإحْدَاهُمَا عََلى اْلُأخْرَى َفَقاتُِلوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ ِإَلى
َأمْ ِ ر اللَّهِ َفِإنْ َفاءَتْ َفَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ِبالْعَدْ ِ ل وََأْقسِ ُ طوا ِإنَّ اللَّهَ
.[ الحجرات: ١٩ ]  يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
النساء : ١٢٨ ]، والساعي في ]  وَالصُّْلحُ خَيْرٌ  : وقال تعالى
الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة،
والمصلح لابد أن يصلح الله سعيه وعمله.
كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له
 ِإنَّ اللَّهَ َلا يُصْلِحُ عَمَ َ ل الْمُفْسِدِي نَ  : مقصودة كما قال تعالى
.[ [يونس: ٨١
فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير كما دل على ذلك
٣٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
الاستثناء [وذلك لما فيها من النفع المتعدي] ولكن كمال الأجر
وَمَنْ يَ ْ فعَ ْ ل َ ذلِكَ ابْتِغَاءَ  : وتمامه بحسب النية والإخلاص ولهذا قال
.[ ١) [النساء: ١١٤ ) مَرْضَاةِ اللَّهِ َفسَوْفَ نُؤْتِيهِ َأجْرًا عَظِيمًا
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
.(٢)« إن أفضل الصدقة إصلاح ذات البين » : 
ألا أخبركم » :  قال : قال رسول الله  وعن أبي الدرداء
بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول
.(٣)« الله قال إصلاح ذات البين
ومما لاشك فيه أن منزلة الصيام والصلاة عظيمة، فهما ركنان
من أركان الإسلام، والمراد هنا : صلاة النافلة وصيام النافلة، إذا
إصلاح ذات البين خير من صلاة وصيام النوافل، لأن أجرهما
وثواﺑﻬما محصور على صاحبه بينما إصلاح ذات البين : نفع متعد
إلى الآخرين.
فمن يشغل وقته بإصلاح ذات البين أفضل ممن يشغل وقته
بنوافل الصيام والصلاة.
الشفاعة ونصرة المظلومين:
.( ١) تيسير الكريم الرحمن ( ٢٠٢ )
٢) رواه عبد بن حميد في مسنده ( ٣٣٥ ) وصححه الألباني السلسلة الصحيحة )
.(٢٦٣٩)
٣) رواه أبو داود ( ٤٩١٩ ) والترمذي ( ٢٥٠٩ ) وصححه الألباني في صحيح الجامع )
.(٢٥٩٥)
اترك أثرًا قبل الرحيل ٣١
فيتوسط المسلم لأخيه في جلب منفعة أو دفع مضرة، وهذا من
نفع المسلمين بالجاه.
إذا جاءه السائل  قال : كان رسول لله  عن أبي موسى
اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على » : أو طلبت إليه حاجة قال
.(١)« ما شاء  لسان نبيه
قال النووي رحمة الله: (فيه: استحباب الشفاعة لأصحاب
الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما، أم
إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف
ظلم، أو إسقاط تعزير، أو في تخليص عطاء المحتاج، أو نحو ذلك؛
وأما الشفاعة في الحدود فحرام، وكذا الشفاعة في تتميم باطل، أو
.( إبطال حق، ونحو ذلك؛ فهي حرام)( ٢
أن « ويقضي الله على لسان نبيه م ا شاء » : ودل قوله
الساعي مأجور على كل حال، وإن خاب سعيه ولم تنجح
.( طلبته( ٣
يبذل جاهه لمنفعة المسلمين ومصلحتهم؛ فكان  وكان النبي
يشفع لهم حتى في أمورهم الخاصة، فلما عتقت بريرة رضي الله عنها
وكان زوجها عبدًا اختارت فسخ النكاح، فحزن عليها زوجها،
وكان يحبها كثيرًا، حتى كان يمشي خلفها في طرقات المدينة وهو
.( ١) رواه البخاري ( ١٤٣٢ ) ومسلم ( ٢٦٢٧ )
.(١٧٧/ ٢) شرح النووي على مسلم ( ١٦ )
.(٤٣٤/ ٣) شرح البخاري لابن بطال ( ٣ )
٣٢ اترك أثرًا قبل الرحيل
أن يشفع له عندها حتى ترجع إليه ففعل النبي  يبكي، وسأل النبي
قالت: يا رسول الله، .« لو راجعتيه فإنه أبو ولدك » : وقال لها 
.( قالت: لا حاجة لي فيه ( ١ .« لا، إنما أنا شافع » : أتأمرني؟ قال
قضاء حوائج الناس والقيام بأعمالهم وإغاثتهم عند نزول
الكرب ﺑﻬم:
إن خدمة الناس ومسايرة المستضعفين دليل على طيب المنبت،
ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة، والله يرحم من
عباده الرحماء، ولله أقوام يختصهم بالنعم لمنافع العباد، وجزاء التفريج
تفريج كربات، وكشف غموم في الآخرة.
قال :  عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله
المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة »
أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه
ﺑﻬا كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم
ومن مشى مع مظلوم يعينه ثبت الله » : ٢). زاد أبو نعيم )« القيامة
.(٣) « قدميه يوم تزل الأقدام
من نفس عن » : قال: قال رسول الله  عن أبي هريرة
مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة،
.( ١) رواه البخاري ( ٤٩٧٩ )
.( ٢)رواه البخاري ( ٢٤٤٢ ) ومسلم ( ٢٣١٠ )
.( ٣٤٨ ) وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( ١٧٦ / ٣) رواه أبو نعيم في الحلية ( ٦ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٣٣
ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد
ما كان العبد في عون آخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما
.(١)« سهل الله له به طريقًا إلى الجنة
قال النووي - رحمه الله: (هو حديث عظيم جامع لأنواع من
العلوم والقواعد والآداب... ومعنى (نَفَّس الكربة): أزالها، وفيه :
فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو ما ٍ ل أو
.( معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك)( ٢
وببذل المعروف والإحسان تحسن الخاتمة، وتصرف ميتة السوء:
: فعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله
صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ »
.(٣)« غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر
والله تعالى ينعم على العبد لقيامه بمصالح المسلمين
وحوائجهم فإذا لم يقم ﺑﻬا سلبه الله هذه النعم.
: فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله
إن لله عبادا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، »
.(٤)« فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم
.( ١) رواه مسلم ( ٢٦٩٩ )
.(٢١/ ٢) شرح النووي على مسلم ( ١٧ )
١٦٣ ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب / ٣) رواه الطبراني في الأوسط ( ٦ )
.( والترهيب ( ٨٩٠
.( ٢٢٨ )وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٢٦١٧ / ٤) رواه الطبراني ( ٥ )
٣٤ اترك أثرًا قبل الرحيل
قال ابن عباس رضي الله عنهما : (من مشى بحق أخيه ليقضيه
.( فله بكل خطوة صدقة)( ١
وكان السلف لا يرون لأنفسهم فض ً لا على صاحب الحاجة،
بل يرون الفضل لصاحب الحاجة الذي علقها ﺑﻬم، حتى كأ ن
صاحب الحاجة هو المحسن إليهم.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما: (ثلاثة لا أكافئهم: رجل
بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في اﻟﻤﺠلس، ورجل اغبرت قدماه في
المشي إلى إرادة التسليم علي، فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله .
قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم
.( رآني أه ً لا لحاجته فأنزلها بي)( ٢
عن الفضيل بن عياض رحمه الله قال : (ذكروا أن رج ً لا أتى
رج ً لا في حاجة له، فقال : خصصتني بحاجتك، جزاك الله خير ًا.
وشكر له).
وقيل لأبي عقيل البليغ : كيف رأيت مروان بن الحكم عند
طلب الحاجة إليه؟ قال: (رأيت رغبته في الإنعام فوق رغبته في
الشكر! وحاجته إلى قضاء الحاجة أشد من حاجة صاحب الحاجة!)
يقول ابن القيم رحمه الله في وصف ابن تيمية رحمه الله : (كان
شيخ الإسلام يسعى سعيًا شديدًا لقضاء حوائج الناس).
.( ١) أخرجه أبو عبد الله المروزي في كتاب البر والصلة ( ١٦٣ )
.(٤٣٦/ ٢) أخرجه البيهقي في الشعب ( ٧ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٣٥
ومن المصائب عند ذوي الهمم عدم قصد الناس لهم في
حوائجهم.
ما أصبحت وليس ببابي صاحب ) : يقول حكيم بن حزام
.( حاجة إلا علمت أﻧﻬا من المصائب)( ١
عقوبة من تبرم من قضاء حاجات الناس بعد أن جعل
الله حوائجهم إليه أو بسببه أو تحت إمرته وإدارته:
من ذلك : ما جاء من تحذير مبين بزوال نعمة المتبرمين:
ما » :  عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج
.(٢)« الناس إليه فتبرم، قد عرض تلك النعمة للزوال
ومعنى (فتبرم) كما جاء في مختار الصحاح تبرم به : أي سئمه
.( وأمله وأضجره( ٣
وإذا التبرم هو : التأفف والسأم والتضجر وشدة الغم وضيق
النفس.
والشخص المتبرم المقصود هنا في الحديث : كل صاحب نعمة
أدت إلى أن يؤول الناس إليه بسببها، كالعالم والمفتي والداعية والمربي
والأمير والقاضي، والمسئول والطبيب والمحامي والتاجر والغني،
.(٥١/ ١) سير أعلام النبلاء ( ٣ )
.( ٢) رواه الطبراني ( ٧٥٢٩ ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٢٦١٨ )
.(٢٧/ ٣) مختار الصحاح ( ١ )
٣٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
ونحوهم من أفراد اﻟﻤﺠتمع ممن أنعم الله عليهم بنعم جعلت لهم مكانة
بين الناس أو سلطة في اﻟﻤﺠتمع، أو فيها نفع متعد لغيرهم من الناس.
فإن مثل هؤلاء إذا تذمروا وتأففوا، وضاقوا ذراعًا بالخلق بعد
أن صارت حاجة الناس إليهم، وتكبروا عليهم وأعرضوا عنهم
وسئموا ذلك وتضجروا منه، وأصاﺑﻬم بسبب ذلك الغم وضيق
النفس، فإﻧﻬم معرضون لزوال هذا الفضل عنهم كما في الحديث
السابق.
والتحذير الوارد في الأحاديث المتقدمة يدخل في عموم قول الله
َ ذلِكَ ِبَأنَّ اللَّهَ َلمْ يَكُ مُغَيِّرًا ِنعْمًَة َأنْعَمَهَا عََلى َقوٍْم حَتَّى  : تعالى
الأنفال: ٥٣ ] وقوله ]  يُغَيِّرُوا مَا ِبَأنْفُسِ ِ همْ وََأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ِإنَّ اللَّهَ َلا يُغَيِّرُ مَا ِبَقوٍْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا ِبَأنُْفسِِ همْ  : جل جلاله
 وَِإ َ ذا َأرَادَ اللَّهُ ِبَقوٍْم سُوءًا َفَلا مَرَدَّ َلهُ وَمَا َلهُمْ مِنْ دُوِنهِ مِنْ وَا ٍ ل
.[ [الرعد: ١١
قال البغوي رحمه الله في تفسير الآية الأولى : (أراد أن الله تعالى
لا يغير ما أنعم على قوم حتى يغيروا هم ما ﺑﻬم بالكفران وترك
.( الشكر، فإذا فعلوا ذلك غير الله ما ﺑﻬم فسلبهم النعمة)( ١
وَِإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِ ْ ل َقوْمًا َ غيْرَ ُ كمْ ُثمَّ َلا يَ ُ كونُوا  : وقال تعالى
.[ محمد: ٣٨ ]  َأمَْثاَل ُ كمْ
قال القرطبي رحمه الله (وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت
.(٣٦٨/ ١) تفسير البغوي ( ٣ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٣٧
له ولاية وإمارة ورياسة، فلا يعدل في رعيته أو كان عالمًا فلا يعمل
بعلمه ولا ينصح الناس، أن يذهبه ويأتي بغيره وكان الله على ذلك
.( قديرا)( ١
إن هذا الحديث برواياته تذكرة وتحذير لكل من أنعم الله عليه
وأولاه من المكانة المادية أو المعنوية، ما جعله سببا لقضاء حوائج
غيره، ثم لم يقم ﺑﻬا كما يحب الله ويرضى.
لذا فإنه يجب عليه عدة أمور:
أو ً لا: أن يعلم بأن هذه النعمة، والمنصب، والعلم، والمكانة التي
ليرى ماذا يصنع، لأن الدني ا دار  بوأه الله إياها، ابتلاء من الله
ِإنَّا خََل ْ قنَا اْلِإنْسَا َ ن مِنْ نُطَْفةٍ َأمْشَا ٍ ج  :  ابتلاء وامتحان. قال
نَبْتَلِيهِ َفجَعَْلنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * ِإنَّا هَدَيْنَاهُ السَِّبي َ ل ِإمَّا شَاكِرًا وَِإمَّا
٣] فإما أن يؤدي ما عليه من واجب الشكر - الإنسان: ٢ ]  َ كُفورًا
أو أن يكفر ويجحد.
ثانيًا: أن المرء مهما علا وارتفع فإنه قليل بنفسه، كثير بإخوانه،
وأن تبرُّمه من أفراد مجتمعه فيه من تشتيت للأواصر وإيغار للصدور
ما لا يخفي ضرره العاجل والآجل، فإن له في نفس الوقت ذلك
الأثر السيئ والعكسي بتعرضه لخطر زوال النعمة عنه، وبالتالي شماتة
الأعداء به.
ثالثًا: احتساب الأجر يوم العرض على الله:
.(٤٠٩/ ١) تفسير القرطبي ( ٥ )
٣٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
من زوال النعمة، فقد رغَّبنا في فضل  فكما حذرنا النبي
قضاء حوائج الناس والوقوف عليها والسعي من أجلها، كما ثبت
 قال : قال رسول الله  في صحيح مسلم من طريق أبي هريرة
من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة » :
من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة،
.(١)« والله في عون العقد ما كان العبد في عون أخيه
وأفضل الناس من بين الورى رجل
تقضي على يده للناس حاجاتُ
لا تمنعن يد المع روف عن أحد
ما دمت مقتدرًا فالسعد تاراتُ
واشكر فضائل صنع الله إذا جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجاتُ
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ
وليس على العبد أضر من ملله من نعم الله. فإنه لا يراها نعمة،
ولا يشكره عليها ولا يفرح ﺑﻬا، بل يسخطها ويشكوها ويعدها
مصيبة. هذا وهي من أعظم نعم الله عليه، فأكثر الناس أعداء نعم
الله عليهم، ولا يشعرون بأن ما فتح الله به عليهم نعمة، وهم
مجتهدون في دفعها وردها جهلا وظلمًا. فكم سعت إلى أحدهم من
.( ١) رواه مسلم ( ٢٦٩٩ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٣٩
نعمة وهو ساع في ردها بجهده، وكم وصلت إليه وهو س اع في
دفعها وزوالها بظلمه وجهله، فليس للنعم أعدى من نفس العبد،
فهو مع عدوه ظهير على نفسه، فعدوه يطرح النار في نعمه وهو
ينفخ فيها، فهو الذي مكَّنه من طرح النار ثم أعانه بالنفخ، فإذا
اشتد ضرامها استغاث من الحريق، وكان غايته معاتبه الأقدار:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته
( حتى إذا فات أمر عاتب القدر ( ١
نعوذ بالله من ا َ لحوْر بعد الكوْر، ومن النقصان بعد الزيادة.
فلنتدارك النعم قبل فوات الأوان، بتقوى الله وحسن العمل
ومراعاة الخلق، واستدراك ما فات من التقصير في حق الله وحق
الناس والأهل والإخوان، والحذر من الإعراض عنهم والاغترار
بالنفس التي اكتست برداء الكبرياء، الذي لا ينبغي إلا للخالق
الكبرياء » : العظيم كما جاء في الحديث القدسي : قال الله تعالى
ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في
.(٢)« النار
إن دوام الحال من المحال، وفرق بين الصعود والهبوط، فاحذر
الثاني، فما يكون إلا بما اقترفت يداك وما ربك بظلام للعبيد.
وَمَا َأصَابَ ُ كمْ مِنْ مُصِيبَةٍ َفِبمَا َ كسَبَتْ َأيْدِي ُ كمْ  : قال تعالى
١) المنتحل للثعالبي ، ونسبه للخليل بن أحمد الفراهيدي ، ونسبه غيره للرياشي كما )
.(١٤/ في عيون الأخبار لابن قتيبة ( ١
.( ٢) رواه أبو داود ( ٤٠٩٠ ) وصححه الألباني في الصحيحة ( ٥٤١ )
٤٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
.[ الشورى: ٣٠ ]  وَيَعُْفو عَنْ َ كثِ ٍ ير
والعرب يقولون : (الدهر يومان يوم لك ويوم عليك) فمعناها
: أن هذا التغير لابد منه، إذ من سنة الله أنه لا يمكن أن تستمر
الحياة على وتيرة واحدة.
ما بين غفوة عين وانتباهته ا
يغير الله من حال إلى حال
وقال الآخر:
هكذا الدهر حالة ثم ضد
ما لحال مع الزمان بقاء
فادع الله تعالى أن يصرف عنك سوء القضاء، وتحوَّل الحال من
الأحسن إلى الأسوأ؛ فإن مما ثبت في السنة ما جاء في الأدب المفرد
: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان من دعاء رسول الله
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحويل عافيتك، وُفجَاءة »
.(١)« نقمتك، وجميع سخطك
الصدقة وبذل المال إلى الفقراء والمحتاجين سبب لتعظيم الأجر
ومضاعفة الثواب:
يربي الله الصدقات، ويضاعف لأصحاﺑﻬا المثوبات، ويعلي
الدرجات... ﺑﻬذا تواترت النصوص وعليه تظافرت؛
فمن الآيات الكريمات الدالة على أن الصدقة أضعاف مضاعفة
. ١)رواه مسلم ( ٢٧٣٩ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٤١
وعند الله مزيد:
ِإنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَاْلمُصَّدَِّقاتِ وََأقْرَضُوا اللَّهَ َقرْضًا  : قوله تعالى
.[ الحديد: ١٨ ]  حَسَنًا يُضَاعَفُ َلهُمْ وََلهُمْ َأجْرٌ َ ك ِ ريمٌ
من َ ذا الَّذِي يُقِْ رضُ اللَّهَ َقرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعَِفهُ  : وقوله تعالى
 َلهُ َأضْعَافًا َ كثِيرًَة وَاللَّهُ يَقِْبضُ وَيَبْسُ ُ ط وَِإَليْهِ تُرْجَعُو َ ن
.[ [البقرة: ٢٤٥
قال ابن الجوزي رحمه الله مبينًا علة تسمية الله للصدقة قرض ًا:
(سماه الله قرضًا تأكيدًا لاستحقاق الثواب به، إذ لا يكون قرضًا إلا
.( والعوض مستحق به)( ١
الَّذِينَ يُنْفُِقو َ ن َأمْوَاَلهُمْ فِي سَِبي ِ ل اللَّهِ كَمَثَ ِ ل  : وقوله تعالى
حَبَّةٍ َأنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَاِب َ ل فِي كُلِّ سُنْبَُلةٍ مَِئةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ
.[ البقرة: ٢٦١ ]  يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
ومن الأحاديث الدالة على عظم أجر الصدقة:
يقول :  أنه سمع رسول الله  عن أبي كبشة الأنماري
ما نقص » : ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه. قال »
مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله
عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر – أو
.(٢)«- كلمة نحوها
.(٢٩٠/ ١)زاد المسير ( ١ )
.( ٢) رواه الترمذي ( ٢٣٢٥ ) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ١٦ )
٤٢ اترك أثرًا قبل الرحيل
ما تصدق أحد » : قال: قال رسول الله  عن أبي هريرة
بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن
بيمينه، وإن كان تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من
.(١)« الجبل كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله
والصدقة تحفظ البدن وتدفع عن صاحبها البلايا والأمراض:
.(٢)« داووا مرضاكم بالصدقة » :  ويدل لذلك قوله
ولما تقرح وجه أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك قريبًا من
سنة سأل أهل الخير الدعاء له فأكثروا من ذلك، ثم تصدق على
المسلمين بوضع سقاية بنيت على باب داره وصب فيها الماء فشرب
منها الناس، فما مر عليه أسبوع إلا وأظهر الله شفاءه وزالت تلك
القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان.
والأمر كما قال المناوي رحمه الله: (وقد جرب ذلك – أي
التداوي بالصدقة – فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله
الأدوية الحسية، ولا ينكر ذلك إلا من كثف حجابه ( ٣)؛ وليس هذا
فحسب، بل إن بعض السلف كانوا يرون أن الصدقة تدفع عن
صاحبها الآفات والشدائد ولو كان ظالمًا، قال إبراهيم النخعي :
.( (كانوا يرون أن الصدقة تدفع عن الرجل الظلوم)

اترك أثرًا قبل الرحيل ٤٣
قصة معاصرة يتبين فيها شيء من عجائب الصدقة:
أبو سارة مهندس ميكانيكي حصل على وظيفة بمرتب شهري
٩ آلاف ريال، ولكنه رغم أن راتبه عال ولديه بيت ملك لاحظ أن
الراتب يذهب بسرعة ولا يعلم كيف.
يقول : سبحان الله؛ والله لا أدري أين يذهب ه ذا الراتب،
وكل شهر أقول الآن سأبدأ التوفير واكتشف أنه يذهب، إلى أن
نصحني أحد الأصدقاء بتخصيص مبلغ بسيط من راتبي للصدقة،
وبالفعل خصصت مبلغ ٥٠٠ ريال من الراتب للصدقة، والله من
أول شهر بقي ٢٠٠٠ ريال بالرغم أن الفواتير والمصاريف نفسها لم
تتغير، فرحت كثيرًا وقلت سأزيد التخصيص من ٥٠٠ إلى ٩٠٠
ريال وبعد مضي خمسة أشهر أتاني خبر بأنه سوف يتم زيادة راتبي
والحمد لله هذا فضل من ربي عاجز عن شكره؛ فبفضل الصدقة
ألاحظ البركة في مالي وأهلي وجميع أموري، وجربوا فستجدون ما
أقول لكم وأكثر.
إذ يقول :  وعجائب الصدقة لا تنقضي وصدق رسول الله
١) بل يبارك له فيه بما يجبر نقصه ) « ما نقص مال عبد من صدقة »
الحسي.
القرض الحسن، وإنظار المعسر:
ما من مسلم يقرض » : قال  أن النبي  عن ابن مسعود
.( ١) رواه الترمذي ( ٢٣٢٥ ) وصححه الألباني في الترغيب ( ٨٥٨ )
٤٤ اترك أثرًا قبل الرحيل
.(١)« مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة
تلقت الملائكة روح » : قال: قال رسول الله  عن حذيفة
رجل ممن كان قبلكم فقالوا : أعملت من الخير شيئًا ؟ قال : لا.
قالوا : تذكر. قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا
المعسر ويتجوَّزوا عن الموسر، قال : قال الله عز وجل: تجوزوا
.(٢)« عنه
إطعام الطعام:
: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي
تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من » : أي الإسلام خير؟ قال
.(٣)« عرفت ومن لم تعرف
قال : لما قدم رسول الله  وعن عبد الله بن سلام
المدينة انجفل [أي أسرعوا] الناس إليه، وقيل : قدم رسول الله 
فجئت في الناس لأنظر ، قدم رسول الله ، قدم رسول الله ،
عرفت أن وجهه ليس  إليه، فلما استبنت وجه رسول الله
أيها الناس أفشوا » : كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال
السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة
.(٤)« بسلام
.( ١) رواه ابن ماجه ( ٢٤٣٠ ) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٩٠١ )
.( ٢) رواه مسلم ( ١٥٦٠ )
.( ٣) رواه البخاري ( ١٢ ) ومسلم ( ٣٩ )
.( ٤) رواه الترمذي ( ٢٤٨٥ ) صححه الألباني في الترغيب ( ٩٤٩ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٤٥
فكوا العاني - » :  قال : قال رسول الله  عن أبي موسى
.(١)« يعني الأسير - وأطعموا الجائع وعودوا المريض
إن الأشعريين إذا أرملوا في » :  قال: قال النبي  وعنه
الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب
واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا
.(٢)« منهم
أي : فني زادهم، وأصله من الرمل كأﻧﻬم « إذا أرملوا » : قوله
لصقوا بالرمل من القلة، وفي الحديث فضيلة الإيثار والمواساة،
.( واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضا. والله أعلم ( ٣
الإحسان إلى الأيتام:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وََلا تُشْ ِ ركُوا ِبهِ شَيًْئا وَِبالْوَالِدَيْ ِ ن  : قال تعالى
.[ النساء: ٣٦ ]  ِإحْسَانًا وَِبذِي اْلُقرْبَى وَاْليَتَامَى وَالْمَسَاكِ ِ ين
:  كافل اليتيم في الجنة مع النبي محمد
أنا وكافل اليتيم » : قال  عن النبي  عن سهل بن سعد
.( وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى ( ٤ « في الجنة هكذا
قال ابن بطال رحمه الله: (حق على كل مؤمن يسمع هذا
 الحديث أن يرغب في العمل به ليكون في الجنة رفيقًا للنبي
.( ١) رواه البخاري ( ٢٨٨١ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٢٣٥٤ )
.(١٣٠/ ٣) انظر فتح الباري ( ٥ )
.( ٤) رواه البخاري ( ٤٩٩٨ )
٤٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
.( ولجماعة النبيين والمرسلين)( ١
وقد أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بأن يحسنوا إلى اليتامى؛
وَِإذْ َأخَ ْ ذنَا مِيَثاقَ بَِني ِإسْرَائِي َ ل َلا تَعْبُدُو َ ن  : حيث قال سبحانه
 ِإلَّا اللَّهَ وَِبالْوَالِدَيْ ِ ن ِإحْسَانًا وَذِي اْلُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِ ِ ين
[البقرة: ٨٣ ] ونحن أحق منهم ﺑﻬذا الفضل.
فمن أراد أن يلين قلبه ويدرك حاجته، فليرحم اليتيم، وليمسح
رأسه، وليطعمه من طعامه.
رجل يشكو قسوة قلبه،  قال: أتى النبي  فعن أبي الدرداء
أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم » : قال
وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، يلين قلبك وتدرك
.(٢)« حاجتك
قال أحد السلف : (كنت في بداية أمري مكبًا على المعاصي،
وشرب الخمر، فظفرت يومًا بصبي يتيم فقير، فأخذته وأحسنت
إليه، وأطعمته، وكسوته، وأدخلته الحمام، وأزلت شعثه، وأكرمته
كما يكرم الرجل ولده بل أكثر، فبت ليلة بعد ذلك، فرأيت في
النوم أن القيامة قد قامت، ودعيت إلى الحساب، وأمر بي إلى الناس
لسوء ما كنت عليه من المعاصي، فسحبتني الزبانية ليمضوا بي إلى
النار، وأنا بين أيديهم حقير ذليل يجرونني سحبًا إلى النار، وإذا
.(٢١٧/ ١) شرح البخاري لابن بطال ( ٩ )
٩٧ ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / ٢) انظر مصنف عبد الرزاق ( ١١ )
.(٢٥٤٤)
اترك أثرًا قبل الرحيل ٤٧
بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق وقال: خلوا عنه يا ملائكة ربي
حتى أشفع له إلى ربي، فإنه قد أحسن إليَّ وأكرمني. فقالت الملائكة
: إنا لم نؤمر بذلك. وإذا النداء من قبل الله تعالى يقول: خلوا عنه
فقد وهبت له ما كان منه بشفاعة اليتيم وإحسانه إليه . قال :
وبذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى  فاستيقظت وتبت إلى الله
.( الأيتام)( ١
السعي على الأرملة والمسكين:
الساعي على الأرملة » :  قال : قال النبي  عن أبي هريرة
.(٢)« والمسكين كاﻟﻤﺠاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار
قال النووي رحمه الله: (المراد :« الساعي على الأرملة » : قوله
بالساعي الكاسب لهما العامل لمؤنتهما، والأرملة من لا زوج لها
سواء تزوجت قبل ذلك أم لا). وقيل: التي فارقها زوجها. قال ابن
قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد
بفقد الزوج.
هو من لا شيء له، وقيل: من له بعض الشيء، « والمسكين »
وقد يقع على الضعيف، وفي معناه الفقير؛ بل بالأولى عند بعضهم،
أي ثواب القائم بأمرهما وإصلاح شأﻧﻬما ؛« كاﻟﻤﺠاهد في سبيل الله »
والإنفاق عليهما كثواب الغازي في جهاد؛ فإن المال شقيق الروح،
.( ١) الكبائر ( ٦٥ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٥٠٣٨ )
٤٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
.( وفي بذله مخالفة النفس ومطالبة رضا الرب ( ١
الإحسان إلى الجار:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وََلا تُشْ ِ ركُوا ِبهِ شَيًْئا وَِبالْوَالِدَيْ ِ ن  : قال تعالى
ِإحْسَانًا وَِبذِي اْلُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِ ِ ين وَاْلجَا ِ ر ذِي اْلُقرْبَى
.[ النساء: ٣٦ ]  وَاْلجَا ِ ر الْجُنُ ِ ب وَالصَّاحِ ِ ب ِبالْجَنْ ِ ب وَابْ ِ ن السَِّبي ِ ل
حق الجار بعبادته وبالإحسان إلى  ففي هذه الآية قرن الله
الوالدين واليتامى والأرحام.
ما » :  عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
.(٢)« زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
من كان يؤمن » : قال  عن رسول الله  عن أبي هريرة
.(٣)« بالله واليوم الآخر فليكرم جاره
.(٤)« فليحسن إلى جاره » : وفي رواية
والله لا يؤمن » : قال  أن النبي  عن سعيد عن أبي شريح
والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قيل : ومن يا رسول الله ؟ قال :
.(٥)« الذي لا يأمن جاره بوائقه
[جمع بائقة وهي الظلم والشر والشيء المهلك].
.(١١٢/ ١) انظر شرح مسلم ( ١٨ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٥٦٦٩ ) ومسلم ( ٢٦٢٥ )
.( ٣) رواه البخاري ( ٥٦٧٣ )
.( ٤) رواه مسلم ( ٤٧ )
.( ٥) رواه البخاري ( ٥٦٧٠ ) ومسلم ( ٤٦ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٤٩
ومن الإحسان إلى الجار: تعزيته عند المصيبة، وﺗﻬنئته عند
الفرح، وعيادته عند المرض، وبداءته بالسلام، وطلاقة الوجه عند
لقائه، وإرشاده إلى ما ينفعه في دينه ودنياه، وغير ذلك من ضروب
الإحسان.
عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذبحت له شاة
في أهله، فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي ؟ أهديتم لجارنا
ما زال جبريل يوصيني » : يقول  اليهودي ؟ سمعت رسول الله
.(١)« بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
الإنفاق على الزوجة والأولاد:
دينار أنفقته في » :  قال : قال رسول الله  عن أبي هريرة
سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على
مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرًا الذي أنفقته
.(٢)« على أهلك
رجل، فرأى  قال : مر على النبي  وعن كعب بن عجزة
من جلده ونشاطه، فقالوا : يا رسول الله،  أصحاب رسول الله
إن كان خرج » : لو كان هذا في سبيل الله. فقال رسول الله
يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى
على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى
١) رواه أبو داود ( ٥١٥٢ ) والترمذي ( ١٩٤٣ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب )
.( والترهيب ( ٢٥٧٤
.( ٢) رواه مسلم ( ٩٩٥ )
٥٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة
.(١)« فهو في سبيل الشيطان
صلة الرحم:
إن الله خلق » : قال : قال رسول الله  عن أبي هريرة
الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ
من القطيعة. قال : نعم؛ أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع
من قطعك ؟ قالت : بلى. قال : فذاك لك. ثم قال رسول الله
فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في  : اقرؤوا إن شئتم :
الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم
وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب
.(٢)« أقفالها
 قال : سمعت رسول الله  وعن عبد الرحمن بن عوف
قال الله: أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها اسم ًا من » : يقول
.(٣)« اسمي، من وصلها وصلته ومن قطعها بتتُّه
قال النووي -رحمه الله-: وأما (صلة الرحم) فهي الإحسان إلى
الأقارب على حسب حال الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال،
.( وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك ( ٤
.( ٥٦ ) وصححه الألبان في صحيح الترغيب والترهيب ( ١٦٩٢ / ١) رواه الطبراني ( ٧ )
.( ٢) رواه مسلم ( ٢٥٥٤ )
.( ٣) رواه أبو داود ( ١٦٩٤ ) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ٢٥٢٨ )
.(٢٠١/ ٤) شرح النووي على مسلم ( ٢ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٥١
تفقد أحوال المسلمين:
لِْلُفَقرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَِبي ِ ل اللَّهِ َلا  : قال تعالى
يَسْتَطِيعُو َ ن ضَرْبًا فِي الَْأرْ ِ ض يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ َأ ْ غِنيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ
تَعْ ِ رفُهُمْ ِبسِيمَاهُمْ َلا يَسَْأُلو َ ن النَّاسَ ِإلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْ ٍ ر َفِإنَّ
.[ البقرة: ٢٧٣ ]  اللَّهَ ِبهِ عَلِيمٌ
أخبر تعالى في هذه الآية أن هناك أناسًا من المسلمين أشد ما
يكونوا حاجة إلى المساعدة، ولكن نفوسهم الكريمة تأبى أن تسأل
الناس شيئًا.
ولذلك كان الصالحون يتفقدون أحوال إخواﻧﻬم باستمرار،
ليس المؤمن » : مع الجار حيث يقول  وهكذا أمرنا رسول الله
.(١)« الذي يشبع وجاره جائع
فيبعث ﺑﻬا إلى  وكانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي
جاره، ويبعث ﺑﻬا الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من
عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.
أتى رجل صديقًا له فدق عليه الباب، فخرج الصديق، وقال له
: ما جاء بك ؟ قال : عليَّ أربعمائة درهم دَيْن. فوزن له صديقه
أربعمائة درهم، وأعطاه إياها، ثم عاد وهو يبكي ! فقالت له امرأته
: لم أعطيته إذ شق عليك ؟ فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله حتى
احتاج إلى مفاتحتي!!
١) رواه الحاكم في المستدرك ( ٢١٦٦ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب )
والترهيب ( ٢٥٦٢ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
٥٢ اترك أثرًا قبل الرحيل
إماطة الأذى عن الطريق:
الإيمان بضع » :  قال : قال رسول الله  عن أبي هريرة
وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله
.(١)« وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان
عرضت على أعمال أمتي » : قال  عن النبي  عن أبي ذر
حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن
الطريق، ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا
.(٢)« تدفن
بينما رجل يمشي » : قال  أن رسول الله  عن أبي هريرة
بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر
.(٣)« له
نفع الناس بأعمال قد تبدو صغيرة ولكن أجرها عند الله
كبير:
قال  فلا ينبغي للمؤمن أن يحتقر معروفا وإن قل، عن أبي ذر
لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى » :  : قال لي النبي
.(٤)« أخاك بوجه طلق
ولا يحقرن المسلم من الأعمال النافعة شيئا، حتى تنظيف المسجد
.( ١) رواه مسلم ( ٣٥ )
.( ٢) رواه مسلم ( ٥٥٣ )
.( ٣) رواه البخاري ( ٦٢٤ ) ومسلم ( ١٩١٤ )
.( ٤) رواه مسلم ( ٢٦٢٦ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٥٣
له منزلة عظيمة في الإسلام، فهذه امرأة كانت تقمَّ [تنظف ]
فسأل عنها، فقالوا : ماتت قال :  المسجد، ففقدها رسول الله
دلوني » : قال : فكأﻧﻬم صغروا أمرها، فقال « أفلا كنتم آذنتموني »
إن هذه القبور مملوءة » : فدلوه فصلى عليها، ثم قال « على قبرها
ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ي نورها لهم بصلاتي
.(١)« عليهم
أي تكنسه. « تقم المسجد » : قال النووي -رحمه الله- : قوله
أي أعلمتموني. « أفلا كنتم آذنتموني » :  قوله
ونفع الناس قد يكون ولو بكلمة:
إنك إن » : يقول  قال : سمعت رسول الله  عن معاوية
اتبعت عورات الناس أفسدﺗﻬم أو كدت أن تفسدهم، فقال أبو
الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله تعالى ﺑﻬا
.(٢)«
جاء في عون المعبود : (أي إذا بحثت عن معائبهم وجاهرﺗﻬم
بذلك، فإنه يؤدي إلى قلة حيائهم عنك فيجترئون على ارتكاب
.( أمثالها مجاهرة)( ٣
ونفع الناس قد يكون بالدعاء
من دعا » : يقول  أنه سمع رسول الله  عن أبي الدرداء
.( ١) رواه مسلم ( ٩٥٦ )
.( ٢) رواه أبو داود ( ٤٨٨٨ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب ( ٢٣٤٢ )
.(١٥٩/٣) (٣)
٥٤ اترك أثرًا قبل الرحيل
.(١)« لأخيه بظهر الغيب؛ قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل
نفع الناس ولو في الطرقات:
على مجلس من  قال مر رسول الله  عن البراء بن عازب
إن أبيتم إلا أن تجلسوا، فاهدوا السبيل، وردوا » : الأنصار فقال
.(٢)« السلام وأعينوا المظلوم
وليس النفع قاصرًا على نفع الناس فقط، بل حتى الحيوان، في
إطعامه وسقيه وإراحته أجر للمؤمن.
الرفق بالحيوان:
إن المسلم خيره كالريح المرسلة، ينتفع به جميع المخلوقات، حتى
الحيوانات.
بينما رجل يمشي » : قال  أن رسول الله  عن أبي هريرة
بطريق أشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج
فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل : لقد بلغ
هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ
خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له
قالوا : يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا ؟ « فغفر له
.(٣)« في كل كبد رطبة أجر » : فقال
.( ١) رواه مسلم ( ٢٧٣ )
.( ٢) رواه البيهقي ( ٩٠٨٥ ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( ١٥٦١ )
.( ٣) رواه البخاري ( ٢٢٣٤ ) ومسلم ( ٢٢٤٤ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٥٥
معناه : في « في كل كبد رطبة أجر » - قال النووي -رحمه الله
.( الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه أجر ( ١
قال بعض أهل العلم: وإذا كان الله سبحانه قد غفر لمن سقى
كلبًا على شدة ظمئه، فكيف بمن سقى العطاش، وأشبع الجياع،
وكسا العراة من المسلمين؟
-عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال : قال رسول
من حفر ماء لم يشرب كبد حي من جن ولا إنس ولا » :  الله
.(٢)« طائر إلا آجره الله يوم القيامة
لو عثرت بغلة بالعراق، لسألني ) :  ويقول عمر بن الخطاب
.( الله تبارك وتعالى عنها يوم القيامة)( ٣
ما يبقى بعد الموت
أو ً لا: الإيمان والصلاح:
فيبقى أثر الإيمان والصلاح بعد موت العبد، فينتفع بذلك بعد
موته، فمن ثمراﺗﻬما:
١-انتفاع الرجل الصالح بدعاء الملائكة والمؤمنين:
الَّذِينَ يَحْمُِلو َ ن الْعَرْشَ وَمَنْ حَوَْلهُ يُسَبِّحُو َ ن  : قال تعالى
.(٢٤١/ ١) شرح النووي على مسلم ( ١٤ )
٢٦٩ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / ٢) رواه ابن خزيمة ( ٢ )
.(٢٧١)
.(٤٠٩/ ٣) أنساب الأشراف ( ٣ )
٥٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
ِبحَمْدِ رَبِّ ِ همْ وَيُؤْمِنُو َ ن ِبهِ وَيَسْتَغْفِرُو َ ن لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ
كُلَّ شَيْءٍ رَحْمًَة وَعِْلمًا َفا ْ غفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيَلكَ وَقِ ِ همْ
عَذَابَ اْلجَحِي ِ م * رَبَّنَا وََأدْخِْلهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ
صََلحَ مِنْ آَبَائِ ِ همْ وََأزْوَا ِ ج ِ همْ وَ ُ ذرِّيَّاتِ ِ همْ ِإنَّكَ َأنْتَ اْلعَ ِ زيزُ اْلحَكِيمُ *
وَقِ ِ همُ السَّيَِّئاتِ وَمَنْ تَ ِ ق السَّيَِّئاتِ يَوْمَئِذٍ َفَقدْ رَحِمْتَهُ وَ َ ذلِكَ هُوَ
.[٩- غافر: ٧ ]  اْلَفوْزُ اْلعَظِيمُ
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُوُلو َ ن رَبَّنَا اغْفِرْ  : قال الله تعالى
َلنَا وَلِِإخْوَاِننَا الَّذِينَ سَبَقُونَا ِباْلِإيمَانِ وََلا تَجْعَ ْ ل فِي ُقُلوِبنَا غِلًّا لِلَّذِينَ
الحشر: ١٠ ] والمسلمون يدعون ]  آَمَنُوا رَبَّنَا ِإنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
في كل صلاة للصالحين من عباد الله بالسلامة من جميع الشرور :
.( (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)( ١
٢-حفظ الذرية:
وََأمَّا اْل ِ جدَارُ فَكَا َ ن لِغُلَامَيْ ِ ن يَتِيمَيْ ِ ن فِي اْلمَدِينَةِ  : قال الله تعالى
[ الكهف : ٨٢ ]  وَ َ كا َ ن تَحْتَهُ كَنْزٌ َلهُمَا وَ َ كا َ ن َأبُوهُمَا صَالِحً ا
.( فحفظ الله تعالى المال لهذين الغلامين بصلاح والدهما ( ٢
ثانيًا: السنة الحسنة:
من سنَّ » :  قال : قال رسول الله  عن جرير بن عبد الله
في الإسلام سنة حسنة فعمل ﺑﻬا بعده؛ كتب له مثل أجر من عمل
ﺑﻬا، ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة
.( ١) رواه البخاري ( ٧٩٧ )
.( ٢) تفسير السعدي ( ٤٨٢ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٥٧
فعمل ﺑﻬا بعده؛ كتب عليه مثل وزر من عمل ﺑﻬا، ولا ينقص من
.(١)« أوزارهم شيء
من دعا إلى هدى » : قال  أن رسول الله  عن أبي هريرة
كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم
شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا
.(٢)« ينقص ذلك من آثامهم شيئا
من سن سنة حسنة » : قال النووي - رحمه الله - : قوله
من دعا إلى » الحديث وفي الحديث الآخر « ومن سن سنة سيئة
.« هدى... ومن دعا إلى ضلالة
هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سنِّ الأمور
الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سنَّ سنة حسنة كان له
مثل أجر كل من يعمل ﺑﻬا إلى يوم القيامة، ومن سنَّ سنة سيئة كان
عليه مثل وزر كل من يعمل ﺑﻬا إلى يوم القيامة، وأن من دعا إلى
هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام
تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه،أم كان
مسبوقًا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم، أو عبادة، أو أدب، أو
معناه إن سنها سواء كان « فعمل ﺑﻬا بعده » :  غير ذلك. قوله
.( العمل في حياته أو بعد موته ( ٣
.( ١) رواه مسلم ( ١٠١٧ )
.( ٢) رواه مسلم ( ٢٦٧٤ )
.(٢٢٦/ ٣) شرح النووي على مسلم ( ١٦ )
٥٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
وكذلك من سنَّ سنة سيئة:
لِيَحْمِلُوا َأوْزَارَهُمْ كَامَِلًة يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ َأوْزَاِ ر  : قال تعالى
النحل: ٢٥ ] عن ]  الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ ِبغَيْ ِ ر عِلْ ٍ م َأَلا سَاءَ مَا يَزِرُو َ ن
لا تقتل نفس » :  قال : قال رسول الله  عبد الله بن مسعود
ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من
.(١)« سن القتل
ثالثًا: العلم النافع والصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو
لوالديه:
إذا مات الإنسان » : قال  أن رسول الله  عن أبي هريرة
انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع
.(٢)« به أو ولد صالح يدعو له
إذا مات الإنسان انقطع » :  قال النووي -رحمه الله-: قوله
عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد
قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع « صالح يدعو له
بموته، وينقطع تجدد الجواب له، إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه
كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من
تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف . وفيه
فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح، وقد سبق بيان اختلاف أحوال
الناس فيه، وأوضحنا ذلك في كتاب النكاح. وفيه دليل لصحة أصل
.( ١) رواه البخاري ( ٣١٥٧ )
.( ٢) رواه مسلم ( ١٦٣١ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٥٩
الوقف، وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم، والحث على الاستكثار
منه. والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي
أن يختار من العلوم الأنفع فالنافع. وفيه : أن الدعاء يصل ثوابه إلى
الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدين
.( كما سبق ( ١
قال ابن القيم -رحمه الله- في معرض حديثه عن فضل العلم :
(وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد فيا لها
من مرتبة ما أعلاها، ومنقبة ما أجلها وأسناها، أن يكون المرء في
حياته مشغو ً لا ببعض أشغاله، أو في قبره وقد صار أشلاء متمزقة
وأوصا ً لا متفرقة وصحف حسناته متزايدة، تملى فيها الحسنات كل
وقت، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب، تلك والله
المكارم والغنائم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد
الحاسدون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم،
وحقيق بمرتبة هذا شأﻧﻬا أن تنفق نفائس الأنفاس عليها ويسبق
السابقون إليه، وتوفر إليها الأوقات، وتتوجه نحوها الطلبات، فنسأل
الله الذي بيده مفاتيح كل خير أن يفتح علينا خزائن رحمته، ويجعلنا
من أهل هذه الصفة بمنِّه وكرمه، وأصحاب هذه المرتبة يدعون
عظماء في ملكوت السماء، كما قال بعض السلف من عَلِمَ وعَمِ َ ل
.( وعَلَّمَ فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء)( ٢
.(٨٥/ ١) شرح النووي على مسلم ( ١١ )
.( ٢) طريق الهجرتين ( ٥١٢ )
٦٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
إن الرجل لترفع » : قال  عن النبي  وعن أبي هريرة
.(١)« درجته في الجنة فيقول أنى هذا فيقال باستغفار ولدك لك
إن مما يلحق » :  قال : قال رسول الله  وعن أبي هريرة
المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا
صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل
بناه، أو ﻧﻬرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته
.(٢)« يلحقه من بعد موته
هو أعم من التعليم فإنه يشمل التأليف ووقف « ونشره »
الكتب.
عَدُّ الولد الصالح من :« وولدا » : - قال السندي - رحمه الله
العمل والتعليم حسن؛ لأن الوالد هو سبب في وجوده ، وسبب
لصلاحه بإرشاده إلى الهدى كما جعل نفس العمل في قوله تعالى :
من التوريث أي « ومصحفا ورثه » : قوله  عَمَلٌ َ غيْرُ صَالِ ٍ ح 
تركه إرثا وهذا مع ما بعده من قبيل الصدقة الجارية حقيقة أو
حكما فهذا الحديث كالتفصيل انقطع عمله إلا من ثلاث.
أي تركه للورثة ولو ملكًا، وفي معناه كتب العلوم :« ورثه »
الشرعية فيكون له ثواب التسبب.
وفي معناه مدرسة العلماء ورباط الصلحاء. :« أو مسجدًا بناه »
.( ١) رواه ابن ماجة ( ٣٦٦٠ ) وهو في صحيح الجامع ( ١٦١٧ )
.( ٢) رواه ابن ماجة ( ٢٢٤ ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة ( ١٩٨ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٦١
أي المسافر والغريب. :« أو بيتًا لابن السبيل »
أي جعله جاريًا لينتفع به الخلق. :« أو ﻧﻬرًا أجراه »
أي أخرجها في زمان كمال حاله، :« في صحته وحياته » قوله
ووفور افتقاره إلى ماله، وتمكنه من الانتفاع به. وفيه ترغيب إلى
لمن قال : أي  ذلك ليكون أفضل صدقة كما يدل عليه جوابه
«... أن تصدق وأنت صحيح شحيح » الصدقة أعظم أجرًا؟ فقال
.( الحديث، وإلا فكون الصدقة جارية لا يتوقف على ذلك( ١
أربعة » : أنه قال  عن رسول الله  عن أبي أمامة الباهلي
تجري عليهم أجورهم بعد الموت : مرابط في سبيل الله، ومن
عمل عم ً لا أُجْ ِ ريَ له مثل ما عمل، ورجل تصدق بصدقة فأجرها
.(٢)« له ما جرت، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له
رابعا: إعداد الرجال:
ليكن همك إعداد رجال خير منك وهذا هو هدي القرآن قال
وَوَاعَدْنَا مُوسَى َثلَاثِينَ َليَْلًة وََأتْمَمْنَاهَا ِبعَشْ ٍ ر َفتَمَّ مِيقَاتُ  : تعالى
رَبِّهِ َأرْبَعِينَ َليَْلًة وَقَا َ ل مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُو َ ن اخُْل ْ فِني فِي َقوْمِي
.[ الأعراف: ١٤٢ ]  وََأصْلِحْ وََلا تَتَِّبعْ سَِبي َ ل اْلمُ ْ فسِدِينَ
وهو كذلك هدي السنة:
فكلمته في شيء فأمرها بأمر  فقد أتت امرأة رسول الله
.(٤٤٢/ ١) مرقاة المفاتيح ( ١ )
.( ٢) رواه أحمد ( ٢٢٣٧٢ ) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( ١١٤ )
٦٢ اترك أثرًا قبل الرحيل
إن لم تجديني » : فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال
١) زاد الحميدي عن إبراهيم بن سعد : كأﻧﻬا تعني )« فأتي أبا بكر
الموت.
إن » : على غزوة مؤتة زيد بن حارثة، وقال  أمَّر رسول الله
قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، وعقد لهم
.(٢)« لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة
على المدينة أثناء الغزوات أكثر من  استخلف رسول الله
أحد عشر صحابيًا منهم: (سعد بن عبادة، زيد بن حارثة، بشير بن
عبد المنذر، سباع الغفاري، عثمان بن عفان، ابن أم مكتوم، أبو ذر
الغفاري، عبد الله بن عبد الله بن أبي، نميلة الليثي، كلثوم بن
حصين، محمد مسلمة).
فجاء  وعن علقمة قال : (كنا جلوسا مع ابن مسعود
فقال : يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن  خباب
يقرءوا كما تقرأ؟
قال: أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك. قال : أجل.
قال : اقرأ يا علقمة.
قال علقمة: فقرأت خمسين آية من سورة مريم. فقال عبد الله :
كيف ترى ؟ قال خباب : قد أحسن. قال عبد الله : ما أقرأ شيئا
.( ١) رواه البخاري ( ٦٩٢٧ )
.( ٢) رواه البخاري ( ٤٠١٣ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٦٣
.( إلا وهو يقرؤه)( ١
وذكروا في السير أن علقمة كان حسن الصوت.
عن أبي حمزة قال : قلت لرباح أبي المثنى ألست قد رأيت عبد
الله؟
قال: بل وحججت مع عمر ثلاث حجات وأنا رجل!!
قال : وكان عبد الله وعلقمة يصفان الناس صفين، فيقرئ عبد
الله رج ً لا، ويقرئ علقمة رج ً لا، فإذا فرغا تذاكرا أبواب المناسك
وأبواب الحلال والحرام!!
فإذا رأيت علقمة فلا يضرك أن لا ترى عبد الله، أشبه الناس به
سمتًا وهديًا.
وإذا رأيت إبراهيم النخعي فلا يضرك أن لا ترى علقمة، أشبه
.( الناس به سمتًا( ٢
وعن الأعمش قال : قال لي إبراهيم وأنا شاب في فريضة :
.( (احفظ هذا لعلك تسأل عنها)( ٣
أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف:
قال يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي : توفي أبي إبراهيم
بن حبيب وخلفني صغيرًا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصار أخدمه،
.( ١) رواه البخاري ( ٤١٣٠ )
.(٥٤/ ٢) انظر سير أعلام النبلاء ( ٤ )
.( ٣) جامع بيان العلم وفضله ( ٤٨٥ )
٦٤ اترك أثرًا قبل الرحيل
فكنت أدع القصار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة فاجلس أستمع،
فكانت أمي تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي وتذهب بي إلى
القصار، وكان أبو حنيفة يُعنى بي لما يرى من حضوري وحرصي
على التعلم، فلما كثر ذلك على أمي وطال عليها هربي قالت لأبي
حنيفة: ما لهذا الصبي فساد غيرك، هذا صبي يتيم لا شيء له، وإنما
أطعمه من مغزلي، وآمل أن يكسب دانقًا يعود به على نفسه، فقال
لها أبو حنيفة : مري يا رعناء هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن
الفستق. فانصرفت عنه وقالت له : أنت شيخ قد خرفت وذهب
عقلك. ثم لزمته فنفعني الله بالعلم ورفعني حتى تقلدت القضاء ،
وكنت أجالس الرشيد وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض
الأيام قدم إلى هارون فالوذجة، فقال لي هارون : يا يعقوب ك ْ ل
منه فليس كل يوم يعمل لنا مثله، فقلت : وما هذه يا أمير المؤمنين؟
فقال : هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكت، فقال لي : مما
ضحكت ؟ فقلت : خيرًا أبقى الله أمير المؤمنين، قال : لتخبرني وألحَّ
عليَّ فخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فعجب من ذلك وقال :
لعمري إن العلم ليرفع وينفع دينا ودنيا، وترحم على أبي حنيفة
.( وقال : كان ينظر بعين عقله مالا يراه بعين رأسه)( ١
ويمكن للعالم أن يعد طلابه ليكونوا علماء المستقبل بما يلي:
تشجيع العالم لطلابه على البحث والتدقيق وقراءة هذه الأبحاث
على الطلبة في حضور الشيخ، وإبداء ملاحظاته حتى يستفيد منها
.(٢٥٠/ ١) تاريخ بغداد ( ١٤ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٦٥
الجميع.
إلقاء المسائل على الطلاب وتشجيعهم على القول فيها،
يسأل  واستماع أقوالهم وعدم تسفيه شيء منها، كما كان النبي
أصحابه أحيانًا.
يومًا  فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن... ثم ذكر أﻧﻬا » : لأصحابه
.(١)« هي النخلة
تعليم الطالب الاستنباط وطرق الاستدلال وكيفية مناقشة
الأقوال، وتطبيق القواعد والأصول على الفروع.
بعد بلوغ الطالب درجة معينة يسمح له شيخه بإلقاء الدروس
على المبتدئين تدريبًا وإعدادًا له، وصق ً لا لقدراته، فإذا بلغ درجة
معينة يسمح له شيخه بالاستقلال عنه، ويكون لهذا الطالب دروسه
الخاصة به، كما كان السلف يجيزون طلاﺑﻬم في الفتوى، كالإمام
مالك والشافعي وغيرهم.
لا يربي طلابه على الطاعة العمياء بل يدرﺑﻬم على القيادة، لأن
الأمة تحتاج إلى القادة الذين يقودوﻧﻬا لما فيه سعادﺗﻬا في الدنيا
والآخرة، ولذا كان الخلفاء قديما يسندون قيادة الجيوش وإمارة
بعض الغزوات إلى من دوﻧﻬم، تدريبًا لهم وصق ً لا لشخصياﺗﻬم،
ليكونوا حملة الراية من بعدهم.
.( ١) رواه البخاري ( ٢٠٩٥ ) ومسلم ( ٢٨١١ )
٦٦ اترك أثرًا قبل الرحيل
خامسًا : الوقف الإسلامي:
فالوقف أحد الأسباب التي تكون طريقًا لزيادة الحسنات وتكثير
الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة.
.( والوقف : هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ( ١
والمراد بالأصل: ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالدور
والدكاكين والبساتين ونحوها.
والمراد بالمنفعة : الغلة الناتجة عن ذلك الأصل، كالثمرة والأجرة
وسكني الدار ونحوها.
فاحبس » :  لعمر  وهذا التعريف موافق لقول النبي
.(٢)« أصلها وسبل الثمرة
الأدلة على مشروعية الوقف:
َلنْ تَنَاُلوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّو َ ن وَمَا تُنْفِقُوا  : قال تعالى
آل عمران: ٩٢ ] أي من الصدقات ]  مِنْ شَيْءٍ َفِإنَّ اللَّهَ ِبهِ عَلِيمٌ
٣)، والوقف منها فهو مندوب إليه. )
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْ َ كعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا  : وقوله تعالى
.[ الحج: ٧٧ ]  رَبَّ ُ كمْ وَاْفعَُلوا الْخَيْرَ َلعَلَّكُمْ تُ ْ فلِحُو َ ن
إذا مات » : قال  أن رسول الله  وعن أبي هريرة
.(٢٥٠/ ١) الكافي ( ٢ )
٢) رواه النسائي ( ٣٦٠٤ ) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي. )
.(٥٨٧/ ٣) تفسير الطبري ( ٦ )
اترك أثرًا قبل الرحيل ٦٧
الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به،
.(١)« وولد صالح يدعو له
.( قال النووي -رحمه الله- : (الصدقة الجارية هي الوقف)( ٢
ولتشريع سنة الوقف حِ َ كمٌ عظيمة أبرزها ما يلي:
١-يعتبر الوقف مصدرا تمويليا دائما لتحقيق مصالح خاصة
ومنافع عامة، وعلى أساس هذه الحكمة يمكن وصف الوقف بأنه
وعاء تصب فيه خيرات العباد، ومنبع يفيض بالخيرات، ولا ريب أن
هذه الخيرات تكون من أموال المسلمين وممتلكاﺗﻬم وأن حصولهم
عليها يكون من جهة حلال ومن طيب المال.
٢-يعد الوقف من أكثر أعمال البر أثرا في اﻟﻤﺠتمعات، فهو
مؤسسة تمويلية تنموية كبيرة، ولقد أثبتت التجربة التاريخية عبر
القرون الإسلامية الماضية الدور الكبير والعطاء المتميز لمؤسسة
الوقف في تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العلمية والصحية
واﻟﻤﺠتمعية، وفي رعاية المساجد والمكتبات والمدارس والبيمارستانات
(المستشفيات)، إضافة إلى دور هذه المؤسسة في دعم الحركة
التجارية والنهضة الزراعية والصناعية وتوفير البنية الأساسية من
طرق وقناطر وجسور.
كما أن لها آثارًا اجتماعية، أهمها : تحقيق التكافل الاجتماعي
والترابط الأسري، وبناء المساكن للضعفاء، ومساعدة المحتاجين ،
.( ١) رواه مسلم ( ١٦٣١ )
.(٨٥/ ٢) شرح النووي على مسلم ( ١١ )
٦٨ اترك أثرًا قبل الرحيل
وتزويج الشباب، ورعاية المعوقين والمقعدين والعجزة، وتجهيز لوازم
التغسيل والتكفين للموتى وحفر القبور.
٣-الوقف يعمل على تقوية واستمرار جانب العلم الشرعي
الذي هو من أهم ما تبنى عليه الدعوة الإسلامية حركة علمية
منقطعة النظير، فوفرت للمسلمين نتاجًا علميًا ضخمًا وتراثًا إسلاميًا
خالدًا وفحو ً لا من العلماء لمعوا في التاريخ العلمي كله.
٤-الوقف يحقق مبدأ التكافل بين الأمة الإسلامية ، وإيجاد
التوازن في اﻟﻤﺠتمع؛ إذ هو يرفع من مكانة الفقير ويقوي الضعيف
ويعين العاجز.
٥- يحقق الوقف مصلحة عامة للأمة بتوفير احتياجاﺗﻬا ودعم
تطويرها ورقيها؛ وذلك بما يوفره الوقف لمشروعاﺗﻬا الإنمائية وأبحاثها
العلمية.
٦-الوقف يعمل على ضمان بقاء المال ودوام الانتفاع به
والاستفادة منه مدة طويلة وأجيا ً لا متعددة، وحفظه من عبث
العابثين وفيه بالتالي استمرار لثواب الوقف.
اترك أثرًا قبل الرحيل ٦٩
الخاتمة
مثل أمتي مثل المطر، » :  قال : قال رسول الله  عن أنس
١)، إن مدلولات لفظة المطر أو الغيث )« لا يدري أوله خير أم أخره
كما في بعض ألفاظ الحديث، تعبر عن مكامن الخير في هذه الأمة،
فالغيث رحمة مهداة من الله تعالى إلى خلقه، وبه يحيي الله الأرض
من بعد موﺗﻬا.
وهكذا تكون همة أهل الخير في كل زمان، ولسان حال أحدهم
: (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد، إلى عبادة رب
العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى
سعة الآخرة).
والغيث يأتي الناس في حال شدة، وقنوط، ويأس، وهذه الأمة
الإسلامية أمة خير وعطاء، أمة لا تيأس، ولا تلين، ولا تستكين على
مر التاريخ، ولقد مرت بديار الإسلام في تاريخها الطويل أزمات
وأزمات، وحلت ﺑﻬا بلايا ونكبات، وزلزلت الأرض زلزالها، وفي
كل مرة تخرج هذه الأمة من مآزق كبرى أصلب عودًا، وأشد
إيمانًا، وفي كل مرة يظن أهل الكيد والمكر أﻧﻬم قدروا عليها، ولكن
يُ ِ ريدُو َ ن َأ ْ ن يُ ْ طفُِئوا نُورَ اللَّهِ  : الله لهم بالمرصاد، قال تعالى
 ِبأَفْوَاهِ ِ همْ وَيَْأبَى اللَّهُ ِإلَّا َأ ْ ن يُتِمَّ نُورَهُ وََلوْ كَِ رهَ الْكَافِرُو َ ن
.[ [التوبة: ٣٢
١) رواه أحمد ( ١٢٠٥٢ ) والترمذي ( ٢٨٦٩ ) وصححه الألباني في الصحيحة )
.(٢٢٨٦)
٧٠ اترك أثرًا قبل الرحيل
فَاسْتَِبقُوا  : ولما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله تعالى
وَسَا ِ رعُوا ِإَلى مَغْفِرَةٍ  : البقرة: ١٤٨ ] وقوله جل وعلا ]  اْلخَيْرَاتِ
آل ]  مِنْ رَبِّ ُ كمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَاْلَأرْضُ ُأعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
عمران: ١٣٣ ]، فهموا من ذلك أن المراد أن يجتهد كل واحد منهم،
حتى يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ
هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأى من يعمل للآخرة أكثر
منه نافسه وحاول اللحاق به، بل مجاوزته، فكان تنافسهم في
وَفِي ذَلِكَ  : درجات الآخرة، واستباقهم إليها كما قال تعالى
.[ المطففين: ٢٦ ]  َفْليَتَنَاَف ِ س الْمُتَنَافِسُو َ ن
والله أسأل للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله
وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد صالح المنجد
( ٤
.( ١) رواه مسلم ( ١٠١٤ )
.( ١٩٣ ) وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( ٣٣٥٨ / ٢) رواه البيهقي ( ٢ )
.(٦٨٧/ ٣) فيض القدير ( ٣ )
.( ٤) رواه البيهقي في شعب الإيمان ( ٣٥٥٩ )